الزواج المبكر

الزواج المبكر
القاضي حسن حسين جواد الحميرى
حثت الشريعه الاسلامية على الزواج بصورة عامه وشجعت عليه وحبذته وذلك تقديرا منها للنتائج الايجابيه التي سوف تعم المجتمع .. فالاسلام قد أهاب بالمسلمن على الزواج المبكر كما سنلاحظ ذلك من الايات الكريمة و الاحاديث الشريفه وعدم المغالاة بالمهور وان كان قد حرص اشد الحرص على اعطاء المرأه حقها في المهر كتكريم لها ولكن يجب ان لا يفسر هذا التكريم خارج اطاره حيث المقصود به احاطة الزواج وهو لازال فى اول خطواته بهالة من القدسيةوالاحترام واخراج علاقة الرجل بالمراة من كونها علاقة مادية كونها اوسع واكرم واسمى من ذلك اذ قال تعالى فى محكم كتابة الكريم(ومن اياتة ان خلق لكم من انفسكم ازواجا لتسكنوا اليها وجعل بينكم مودة ورحمة ) فبالزواج يستمر النوع وتتم عمارة الكون ويتحقق فيه المقصود من قوله تعالى (وما خلقنا الجن والانس الا ليعبدون )فمن شأن الزواج انتشار الذريه وتعهدها والتزامها بالعبادة التي الزمت بها .. وبالزواج يتحقق الاستقرار النفسي والاجتماعي للشخص بعد ان اكمل نصف دينه الاخر فيتوفر لديه هدوء النفس فيترك ما تعود عليه من البقاء خارج البيت ليعود اليه سريعا ففيه يشعر بالراحة والسعادة والطمأنينه في ظل شجرة العائلة من زوجة واولاد يتفيئ بظلهم ويرتاح لوجودهم ويسعدون لوجوده معهم بعد ان شدت وربطت بينهم روابط قوية ومتماسكه قد باركها الرب من ابوة وامومه وبنوّه واصبح كل منهم جزء من الاخر وارتبطوا برابطة النسب الموحد..وقال الرسول الكريم "ص" حثا منه على الزواج "يامعشرالشباب من يستطع منكم الباءة فليتزوج" وقال عليه الصلاة والسلام "تزوجوا ولو بخاتم من حديد " فالزواج صيانه من الانحراف والوقوع في حبائل ومصائد الشيطان..ومن ناحيه اخرى فإن الزواج المبكر سوف يهيئ للوالدين من يقوم بمساعدتهما وهما لا زالا في اوج نشاطهما اذ نرى اولادهما قد شبوا وصلب عودهم ..فإذا ماحل الضعف والهزل بالوالدين نجد الاولاد البارين خير ملاذ ومنجد ومعين اذ ان الانسان يبدأ بخلقه ضعيفا وينتهي ضعيفا .. اما في الزواج المتأخر فيكون الاولاد بحاجه الى خدمات والديهم والوقوف الى جانبهم والابوان هم في وضع وعمر لايستطيعان من تلبية ذلك على الوجه الاتم بسبب كبرهما وضعفهما ..كما ان الزواج المبكر يجعل الصله بين الاباء والابناء صله قوية لتقارب العمر ووجود لغه مشتركه للعلاقات بين الطرفين يفهمها كلاهما ويمكّن الابناء من الاستفادة والاطلاع على تجارب الاباء وكيفية تعاملهم مع الحياة عن قرب وكثب ويلاحظ ان قانوني الاحوال الشخصية العراقي والسوري قد نصا (ان الزواج عقد بين رجل وامراة تحل له شرعا غايته انشاء رابطة للحياة المشتركة والنسل) ونلاحظ ان هذا التعريف لعقد الزواج غير موفق خاصة اذا كان احد الازواج عنين اوعقيم او كلاهما عقيمين او كون المراة في سن الياس حيث لاتكون الغاية من الزواج النسل حيث ان لم يكن هناك تناسل فالعقد صحيح وقد اوجب القانون المصري في المادة 367 من القانون المرقم 87 لسنة 1931 قانون ترتيب المحاكم الشرعية ان لايقل عمر الزوجة عن 16 سنة وسن الزوج عن 18 وان يكون هناك مسوغ كتابي ثابتا فيه الزواج عند الانكار اما القانون العراقي فالاصل فيه وكما ورد في المادة السابعة من قانون الاحوال الشخصية( يشترط في تمام اهلية الزواج العقل واكمال الثامنة عشرة) واعطى في الفقرة الثانية من المادة ذاتها (للقاضي ان ياذن بزواج احد الزوجين المريض عقليا اذا ثبت بتقرير ان زواجه لا يضرر بالمجتمع وانه بمصلحته الشخصية اذا قبل الزوج الاخر بالزواج قبولا صريحا) ولكن ما يؤخذ عليه انه لم يمنع الزواج خارج المحكمة ولم يمنع من تسجيله فيها بدعوى اثبات زواج واذا كان عمر الزوجين اقل من اربعة عشر سنة فلا يجوز اجراءه وتسجيله من الناحية القانونية اما من الناحية الشرعية فليس هناك مانع شرعي اذا كان عمر المراءة ثمان سنوات ولكنه اشترط في المادة الثالثة /4 من قانون الاحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 للزواج من ثانية ان تكون للزوج كفاية مالية لاعالة اكثر من زوجة واحدة وان تكون هناك مصلحة مشروعة وان يعدل بين الزوجات والحصول على اذن من القاضي الذي له تقدير المصلحة المشروعة وغير ذلك وقد نصت المادة الثامنة منه (1.اذا طلب من اكمل الخامسة عشر من العمر الزواج فللقاضي ان ياذن به اذا ثبت له اهليته وقابليته البدنية بعد موافقة ولية الشرعي فاذا امتنع الولي طلب القاضي منه موافقته خلال مدة يحددها له فان لم يعترض او كان اعتراضه غير جدير بالاعتبار اذن القاضي بالزواج 2. للقاضي ان ياذن بزواج من بلغ الخامسة عشرة من العمر اذا وجد ضرورة قصوى تدعو الى ذلك ويشترط لاعطاء الاذن تحقق البلوغ الشرعي والقابلية البدنية) أي الحد الادنى للزواج وفقا للقانون العراقي هو الرابعة عشر سنة وذلك في حالة الضرورة القصوى كما هو الحال في قضايا الشرطة ما من اكملت الخامسة عشرة فهلا حق الزواج بموافقة وليها مقرونة بموافقة القاضي بعد ملاحظة اهليتها وقابليتها البدنية استنادا للمادة السابعة من القانون المذكور ونحن هنا نتسال كيف يمكن لزوجة صغيرة ان تعيش ضمن عائلة كبيرة قد تكون زوجات زوجها (ضراتها)بقدر اعمار والدتها واولاد زوجها بقدر اعمامها واخوالها وهنا يثور التساؤل كيف يمكن لها ان تحافظ على حقوقها وحقوق اولادها وهل يمكن لها الاستمرار في علاقة زوجية محاطة بمخاطر وشكوك وعدم اطمئنان وبغض الا ما رحم ربي وكيف لها ان تربي نشا وجيلا قادرا على مواجهة تحديات المستقبل وهي لم تستكمل بعد تجربتها الحياتية وكونها لا زالت بحاجة الى المزيد من التجربة حتى تحقق القناعة بها في الاسرة الجديدة بما في ذلك زوجها و مما تقدم نجد ان الزواج المبكر لا يمكن اعتباره ناجحا وهذا ما لمسناه من خلال تجربتنا القضائية وذلك لعدم توفر الخبرة الاجتماعية لدى الزوجين واعتمادهما اقتصاديا على اهلى الزوج او الزوجة وشيوع ثقافة تدخل الاهل في شؤون الزوجين وتبعيتهم النفسية الى عوائلهم التي ربما تكون اراء كل عائلة منها متعارض مع راي العائلة الاخرى للزوج الاخر من حيث المستوى الثقافي والاجتماعي والاقتصادي وشعور الزوجين بانهما لا زالا صغيرين يعتمدا على ما يقدم اليهما من نصائح وواموال ومعونات من اهليهما وتعصب كل واحد منهما للراي الذي يعتمده اهله وعائلته ناسين بذلك انهما اصبحا كيانا مستقل يجب عليهما الحفاظ عليه وتدعيمه وتقويته وعدم فسح المجال للاخرين بالتدخل في شؤونهم من الاهل او غيرهم محافظين على استقلال هذا الكيان من أي تدخل خارجي وتهدئة أي نزاع داخلي من قبلها فقط قد ينشا داخل اطار هذا الكيان والمحافظة على سيادته بما يؤمن توفير اسرة سعيدة قادرة على التفاعل بايجابية مع محيطها بعيدا عن السلبيات والمنغصات وعليه نخلص من ذلك ان الزواج المبكر رغم وجود بعض الايجابيات فيه الا ان سلبياته هي الاكثر خاصة وانه يؤدي الى ضمور دور المراة واقتصاره فقط على الاطار الضيق للاسرة والاولاد وعدم فسح المجال لها بالاحتكاك بالمحيط الخارجي حيث ان ذلك سيحرمها من الحصول على العلوم من خلال عدم استمرارها في دراستها وانقاطعها عنها وتفرغها لاسرتها الامر الذي يؤدي الى اشاعة الجهل في المجتمع وقد ورد في الاثر:
الام مدرسة اذا اعددتــــــــــــــــها اعددت شعبا طيب الاعراق
وما يجب الاشارة اليه ان المادة التاسعة من القانون المذكور قد نصت (1. لا يحق لاي من الاقارب او الاغيار اكراه أي شخص ذكر كان ام انثى على الزواج دون رضاه ويعتبر عقد الزواج بالاكراه باطلا اذا لم يتم الدخول كما لايحق لاي من الاقارب والاغيار منع من كان اهلا للزواج بموجب احكام هذا القانون من الزواج . 2. يعاقب من يخالف الفقرة (1) من هذه المادة بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات وبالغرامة او باحدى هاتين العقوبتين اذا كان قريبا من الدرجة الاولى اما اذا كان مخالف من غير هؤلاء فتكون العقوبة السجن مدة لا تزيد على عشر سنوات او الحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات. 3. على المحكمة الشرعية او محكمة المواد الشخصية الاشعار الى سلطات التحقيق لاتخاذ التعقيبات القانونية بحق المخالف لاحكام الفقرة (1) ولها توقيفه لضمان حضوره امام السلطات المذكورة ويحق لمن تعرض للاكراه او المنع مراجعة سلطات التحقيق مباشرة بهذا الخصوص ) الزواج للزوجين لايقل عن احدى وعشرون سنة وذلك لتوفير الحد الادنى من التجربة الثقافية والاجتماعية والصحية والاقتصادية لديهما وبما يمكنهما من بناء قواعد راكزة لمستقبل افضل وذلك لكون المجتمع اليوم يختلف عن الامس القريب بتعدد متطلباته واحتياجاته ونشاطاته كما ان الثقافة الاجتماعية في الوقت الحاضر تفضل المراة المثقفة الواعية المدركة العاملة القادرة على الانتاج المساهمة بدور اقتصادي فاعل في الاسرة من خلال عملها في القطاع العام او الخاص بما يخفف وطاة الحياة عن كاهل كلا الطرفين ومثل هكذا امور لا يمكن ان تتوفر في الزوجين صغار السن في المجتمع الحديث المعاصر حيث غالبا ما ينتهي هذا النوع من الزيجات بالانفصال والطلاق لعدم توفر الظروف المناسبة لنموه وديمومته واستمراره وبقائه وعليه نقترح على الدولة ان تهيئ للشباب المتزوج وخاصة صغار السن الدور المستقلة عن دور اهليهم بما يضمن ابتعادهم عن تاثير الاهل والاقارب في حياتهم الخاصة وضمان حق الزوجة في البيت الشرعي وعدم مشاطرتها السكن من قبل أي شخص من اقارب الزوج وتهيئة اسباب المعيشة لهما بتوفير الوظائف المناسبة واشاعة ثقافة استقلالية الزواج من خلال وسائل الاعلام ورجال الدين والتاكيد على تطبيق ما نص عليه الشرع من حيث تهيئة البيت الشرعي ونرى ان يلغى نص الفقرات 2 و3و4 من المادة السادسة والعشرون من قانون الاحوال الشخصية العراقي حيث نصت الفقرة 2 : (ليس للزوج ان يسكن مع زوجته في دار ولده من غيرها حتى سن البلوغ اما الفقرة الثالثة منها فقد نصت على الزوج اسكان ابويه او احدهما مع زوجته في دار الزوجية وليس للزوجة الاعتراض على ذلك ) ونصت الفقرة الرابعة من المادة ذاتها للزوج ان يسكن مع زوجته في دار واحده من يكون مسؤول عن اعالتهم شرعا شرط ان لا يلحقها ضرر من ذلك ) علما اان هذه المادة قد عدلت بالقانون 19 لسنو 1999 قانون التعديل السادس عشر ثم اضيفت للمادة ذاتها الفقرة 4 بموجب القانون رقم 22 لسنة 1999 / قانون التعديل السابع عشر علما ان البيت الشرعي هو من المسائل المنصوص عليها في الديانه الموسوية والمسيحية وجاء الاسلام فاقر ذلك وقد يتساءل البعض كيف يمكن ان يترك الابوان بعيدا عن ابنهما الذي تزوج والجواب هو يمكن ان يكون كما تركت البنت ابواها وانتقلت الى بيت اخر بعيد عنهما وقد شدد الاسلام على الالتزام بالبيت الشرعي واوجبه على الزوج واشترط فيه ان يكون بعيدا عن اهل الزوج والزوجة وان لا يكون القصد منه الاضرار بها والزمه بتاثيثه باثاث تعود له وان يكون هذا البيت الشرعي متناسبا مع حالة الزوجين الاجتماعية والاقتصادية والزم الزوجة بمطاوعته فيه والا اعتبرت ناشزا وذلك استنادا للمادة 25 من قانون الاحوال الشخصية العراقي المعدل وعليه فالتعديل الاخير الذي جرى على المادة السادسة والعشرين هو تعديل غير شرعي كونه غير متوافق مع الشرع ويسئ الى الزوجة والحياة الزوجية ويعرضها لمخاطر والمشاكل وعد التوافق والانسجام والتدخل في الشؤون الذاتية للزوجين وخاصة اذا كانا من الازواج الصغار فلا بد من رعاية الاهل البعيدة دون تدخل ولا بد من رعاية الدولة من حيث تهيئة دور السكن للمتزوجين وخاصة الصغار منهم وتوفير فرص العمل ومراعاة حالة الضرورة القصوى في زواجهم وعدم التساهل في ذلك والى موضوع اخر والله ولي التوفيق
القاضي حسن حسين جواد الحميري