الركن المادي في جرائم التحريض

الركن المادي في جرائم التحريض
القاضي حسن حسين جواد الحميري
كي يسال المحرض عن الجريمه لا بد من وجود سلوك اجرامي نتجت عنه وعليه فان الركن المادي يقوم على الاركان الثلاثه الاتيه:1ـ وقوع فعل التحريض. 2ــ وقوع الجريمه بناء على هذا التحريض.3ــ الرابطه السببية. 1ــ وقوع فعل التحريض .والفعل هو حركه عضليه تترك اثرا في العالم الخارجي ويجب ان يكون غير مشروع وهو يمثل الفعل الايجابي والسلبي ،ووفقا لقانونا لا يهم نوع النشاط الذي اتاه المحرض سواء كان وعدا ام وعيدا ام ايحاء ام ايماء او باستخدام سلطه او مخادعه او ايحاء او كتابه او اية وسيله يتم بها التحريض ذلك ان وسائل التحريض متعدده ومتنوعه والمحرض يلجا الى الوسيله التي يراها مناسبه للتاثير على نفسية الفاعل بحيث يستطيع بها السيطره على عواطف ومشاعر الفاعل ويوحهها الوجهة التي يريد ويبغي لتحقيق النتيجه الاجراميه وبهذا الصدد تقول محكمة النقض المصريه "لا يلزم لتوفر التحريض على الجريمه قانونا ان يكون للمحرض سلطه على الفاعل تجعله يخضع لاوامره بل يكفي ان يصدر من المحرض من الافعال ما يهيج شعور الفاعل فيدفعه للاجرام" ويجب ان يكون التحريض بدون غموض او ابهام أي ان يكون مباشرا ينصب على فعل غير مشروع فاذكاء الكراهيه بين شخصين لافساد العلاقه بينهما لا يعتبر تحريضا لانه لم ينصب على فعل غير مشروع ولم يكن مباشرا او بعباره اخرى كان عاملا غير مباشر في حصول النتيجه الاجراميه. ويجب ان يحدث هذا الفعل اثرا في العالم الخارجي فاذا لم يحدث اثرا فلا يعتبر تحريضا ويجب ان يكون سابقا او معاصرا لوقوع الجريمه فاذا وقع لاحقا فليس منها بشئ ولا يعتبر من مادياتها اذ ياتي ولا محل له ولا صفه تربطه بالجريمه.وينبغي ان يكون موجها الى انسان مدرك ومميز فمن حرض قرده على السرقه او حرض كلبه على ايذاء الاخرين فانه يعد فاعلا اصليا.2ــ ان تقع الجريمه بناء على هذا التحريض لمساءلة المحرض لا بد ان يترتب اثرا على نشاطه التحريضي وهو وقوع الجريمه نتيجه لذلك،أي ان يحصل تغيير في العالم الخارجي ويغير من حاله معينه كانت في وضع معين فوقوع الجريمه بعينها بناء على هذا التحريض وتحققها ماديا يؤدي الى مسائلة المحرض لانه يستمد اجرامه من الفاعل الاصلي.وعليه فاذا لم يرتكب الفاعل الاصلي الجريمه فلا يسال وكذلك اذا وقع التحريض بعد وقوع الجريمه سواءكانت عند حد الشروع او وقوعها تامه اذ يجب ان يكون التحريض سابقا اما اذا كان معاصرا فانه يعتبر فاعلا اصليا.وقد قررت محكمة التمييز"وحيث ان المدانه"ف"تاثيرها على المدانين بحكم المصاهره التي تربطها بالمدان "د"ويكون المدان"ب"كان عاملا عند صهرها له تاثيره عليه اذا اغرتهما بالمال الذي كانت تشاهده لدى المجني عليها...الذي لم يكن المدانين على علم به لولاها فتكون جريمة قتل "ذ"وزوجته"ل"وقد وقعت بناء على هذا التحرض"ويسال المحرض اذا توقعت الجريمه عند حد الشروع فيها.وكذلك الحال في الجريمه المستحيلة التنفيذ والتي عاقب عليها المشرع العراقي في المده"30"عقوبات بعقوبة الشروع في الجنايه او الجنحه والاستحاله نوعان نسبيه ومطلقه وكلا النوعين متعلق اما بموضوع الجريمه او بوسيلتها ما لم يكن اعتقاد الفاعل بصلاحية وسيلته يدل على جهله المطبق ومثال الاستحاله المطلقه المتعلقه بموضوع الجريمه مثل شخص يطلق النار على اخر قاصدا قتله الا ان الاخير توفي قبل ذلك ومثال المطلقه المتعلقه بالوسيله مثلا يريد قتله بالسم الا انه يسقي المجني عليه مائا بماده غير سامه ومثال الاستحاله النسبيه المتعلقه بموضوع الجريمه مثل شخص يريد قتل اخر الا ان الاخير قد تحول من مكانه ومثال النسبيه المتعلقه بالوسيله ان يطعم المجني عليه سما غير كاف وقد تكون الاستحاله قانونيه مثل فقدان احد اركان الجريمة. اما اذا عدل المحرض عن الجريمه بان استطاع ان يقنع الفاعل بعدم ارتكاب الجريمه فلا مسؤوليه جزائيه تترتب عليه لان الجريمة لم تقع وكذلك اذا حرض ولكن الفاعل لم يبدأ بالتنفيذ ولم يزل في اطار الاعمال التحضيريه لان عمله مشروع ولا عقاب عليه ولان المحرض يستمد اجرامه منه فعمله مشروع كذلك ولا عقاب عليه الا فيما اسثني قانونا كما سنرى فيما بعد. اما اذا عدل بعد وقوع الجريمه فلا يستفيد من هذا العدول.اما التحريض على ارتكاب الجريمه بالامتناع فيكون وفقا لقانوننا اذا فرض القانون او الاتفاق واجب القيام بعمل وذلك حسب نص الماده"34/1"عقوبات اذا يقوم المحرض على تحريض اخر بعدم القيام بالواجب المكلف به قانونا.اما وقوع التحرض بالامتناع وذلك في حالة الظهور على مسرح الجريمه لان في هذا التواجد تشجيعا للفاعل على ارتكابها والراي الراجح فقها وقضائا ان يقع التحريض بفعل ايجابي فالذي يشاهد اخر يرتكب جريمه ولم يصده لا يعد شريكا ولو كان قصده تشجيع الفاعل لانه لم يكن خالقا لفكرة الجريمه لدى المحرض.ولكن اذا كان له نفوذ اجتماعي ولم يستخدمه في منع وقوع الفعل الجرمي فهل يعتبر شريكا فيها مثل ضابط شرطه او مدير شركه وهو يرى احد اتباعه يحاول ان يعتدي على اخر ولم يمنعه.نعتقد ان هذه الجريمه لا صله لها بالعمل الذي يزاوله العامل فان المدير لايسال تطبيقا لقعدة شخصية العقوبه اما ضابط الشرطه فهو مسؤول لانه احد اعضاء الضبط القضائي اذا وقعت في محل عمله اذ اوجب عليه القانون القبض على المتهم في حالة الجرم المشهود بل له ملاحقته والدخول عنوه الى المكان الذي اختفى فيه الجاني. وهناك جانب من الفقه يرى ان الاشتراك بكافة انواعه لا يتم الا بطريق ايجابي.3ــ الرابطه السببيه:ــ لكي يكون هناك اشتراك بالتحريض لا بد من وجود علاقه سببيه بين فعل المحرض والنتيجه الاجراميه أي ان يكون فعل المحرض هو الذي ادى الى ارتكاب الجريمه او بعباره اخرى ان النشاط العضلي للمحرض كان السبب في احداث النتيجه وقد تناولت هذا الموضوع عدة نظريات هي نظرية السبب المباشر ونظرية السبب الملائم ونظرية تعادل الاسباب.فالنظريه الاولى تاخذ بالسبب الاقوى او المباشر الذي ادى الى النتيجه فالفاعل الاصلي هو الذي يؤدي فعله المباشر الى حدوث النتيجه اما الشريك بالتحريض فلا يؤدي فعله مباشرة الى حدوثها اذ قد توسط فعله والنتيجه عامل اخر.اما النظريه الثانيه فتاخذ بالسبب الملائم من بين الاسباب التي ادت الى حصول النتيجه الاجراميه.والنظريه الثالثه وهي نظرية تعادل الاسباب فتاخذ بجميع العوامل التي ادت الى احداثها وتعتبر جميع هذه الاسباب متكافئه في حصول النتيجه سواء اكانت هذه الاسباب والعوامل سابقه او معاصره او لاحقه للفعل.وقد بحث الفقه الالماني السبب باستفاضه وهم يميزون بين السبب والشرط فمن كان فعله سببا فهو فاعل ومن كان فعله شرطا فهو شريك الا انهم اختلفوا في تحديد معنى السبب والشرط فذهب جانب من الفقه الى القول بان السبب هو العامل النهائي في حصول النتيجه والعوامل السابقه عليه هي شروط.اما الجانب الاخر فيرى ان السبب هو العامل الاقوى في حدوثها والشرط هو العامل الاضعف.اي ان السبب يجب ان تكون ذا تاثير كبير في الركن المادي اماالشرط فقد يكون امرا معنويا ويكون دوره ضعيفافي احداث النتيجه.كما يفرقون بين العوامل الثابته وبين العوامل المتحركه فالاولى سبب والثانيه شرط فلو جرح "أ""ب" وكان الاخير مصابا بمرض فالجرح سبب لانه متحرك والمرض شرط لانه ثابت.ولكن ماهو موقف المشرع العراقي من هذه النظريات الثلاث؟نصت الماده"29"الفقره الاولى"لا يسال شخص عن جريمه لم تكن نتيجه لسلوكه الاجرامي لكنه يسال عن الجريمه ولو كان قد ساهم مع سلوكه الاجرامي في احداثها سبب اخر سابق او معاصر او لاحق ولو كان يجهله".ونصت الفقره الثانيه من الماده ذاتها"اما اذا كان السبب لوحده كافيا لاحداث النتيجه فلا يسال الفاعل في هذه الحاله الا عن الفعل الذي ارتكبه"ونعتقد ان صياغة المادة كانت غير موفقه اذا ابتدأت بـ"لا يسال شخص عن جريمه لم تكن نتيجه لسلوكه الاجرامي لكن... "اذ يمكن الاكتفاء بالجمله الاستدراكيه بعد اعادة صياغتها على النحو التالي"يسال الشخص عن الجريمه ولو ساهم".والملاحظه الثانيه ان المشرع في الفقره الاولى قد اخذ بنظريه تعادل الاسباب وفي الفقرة الثانيه بنظرية السبب الملائم في حين نرى ان المشرع المصري اخذ بنظرية تعادل الاسباب وهي براينا تحقق العدالة اكثر من غيرها اذ لولا فعل الجاني لما تداعت العوامل الاخرى وادت الى حدوث النتيجة الاجرامية وخاصة اذا كانت النتيجة لها تاثير كبير على استقرار المجمتع ومن ناحية اخرى نرى ان المشرع في احوال كثيرة قد خصص مواد بعينها مراعيا بذلك الباعث على ارتكاب الجريمة او قصد الجاني كما هو الحال في المادة 409 والمادة 410 عقوبات أي انه قد اخذ السبب الملائم استثناءا كما نعتقد . وركز على نظرية تعادل الاسباب ففي قرار محكمة التمييز ادانة متهمين عن جريمة ضرب مفضي الى موت وذلك بسبب وفاة امراة نتيجة ضربها بواسطة الايدي وكانت مصابة بامراض قلبية عندما حاول المتهمون اختطافها بالقوة لغرض غير شريف . ونعتقد ان المشرع العراقي قد اخذ بنظريتين متناقضتين . ويبحث الفقه مسالة الاشتراك كما لو حرض زيد بكرا لكي يقتل عمرا ولكن بكر قد حرض احمد للقيام بهذا الفعل ووقعت هذه الجريمة بناءا على هذا التحريض فهنا لا توجد علاقة مباشرة بين زيد واحمد فهل يسال زيد في الاشتراك عن جريمة القتل ؟ ويلاحظ من نص المادة 48 يعد شريكا في الجريمة من حرض على ارتكابها فوقعت بناء على هذا التحريض هناك اتجاهان بهذا الصدد . الاتجاه الاول يقول ان المادة 48قد اكدت على علاقة المحرض بالجريمة وليس على العلاقة بين المساهمين فهو شريك من الناحية القانونية اذ ان فعله قد انصب على عمل غير مشروع .واما الجانب الاخر من الفقه فيرى خلاف هذا الراي ويؤكد على وجوب وجود علاقة مباشرة بين المحرض والفاعل لكي يمكن مساءلة المحرض . ونعتقد ان الراي الاول هو الاسلم لا التحريض هو خلق فكرة الجريمة لدى الفاعل وقصد الفاعل منصب على موضوع الجريمة وهو الذي انشأها بل فعله ان فعله هنا من الخطورة بحيث امتد تاثير تحريضه ليشمل شخصا ثالثا وحيث ان التحريض هو ذو جانب نفسي معنوي غاية المحرض هو التاثير على نفسية الفاعل ولا يهم كونه زيدا او بكرا فالمهم ان تقع الجريمة بناء على هذا التحريض نخلص من ذلك الى القول بوجوب وجود علاقة سببية بين الفعل والنتيجة علاقة السبب بالمسبب او العلة بالمعلول فاذا انقطعت تلاشى الركن المادي والى موضوع اخر والله ولي التوفيق
القاضي حسن حسين جواد الحميري